( ألم / أمل ) بتغيير مكان الحرف تنتج معنى غاية في العمق. إن لكلمتي الألم والأمل أبعاد عدة وارتباطات كثيرة، فيمكن لقارئ القرآن أن يتأمل كيف يحث الله العالمين على الهداية وذلك بوصف (النار / ألم) وبوصف (الجنة / أمل) لأن الناس بطبيعتهم يختلفون في الحافز الدافع للإيمان والعمل ، كما أن القرآن يوضح أن (السعادة/أمل) لا تنال إلا بشيء من (المشقة والابتلاء/ألم). وميزان الألم والأمل مهم لجعل الإنسان يدرك ويوازن للاختيار؛ فقد تختار درب الألم لتصل عبره إلى عوالم الأمل. ولو رأيت في علم الاقتصاد لوجدت ( التكلفة ، المنفعة ) إنه التعبير عن مركز الألم والأمل ، فالمنفعة كل ما نتطلع إليه من "أمل" نسعى إلى تحقيقه، والتكلفة؛ العبء أو "الألم" الذي نبذله في النفس أو المال من أجل تحقيق المنفعة . وتجد المربين يضربون الأمثلة في الألم والأمل، فلو قلت لطفلك إذا فعلت كذا أعطيتك هدية فأنت تربيه بالأمل ، وإذا قلت إذا لم تفعل كذا فسأحرمك من كذا، فأنت تربيه بالألم ، وذكروا أن الناس يختلفون في تقبلهم لأي من الألم والأمل.فقد تجد إنسانا لا يؤثر فيه الأمل بقدر الألم والعكس .ولأن القانون غير ناء عن نفس الإنسان التي هي المَعين المباشر له بعد أن تستسقي ما تعلمته وعرفته فتنتج القانون الذي يجعلها تستمر في البقاء على نحو يمنحها الحرية والأمان والصحة والسكينة ، فإن القانون في قواعده عمل بقاعدة الألم والأمل . ودائما فإن الأصل في القاعدة القانونية أن تنص على الجزاء (الألم) وتسكت عن الثواب (الأمل) وتجعله أمرا مفترضا . فالحرية أمل والسجن ألم . فالقانون يعبر بشكل ضمني للكافة أن الحياة المشتملة على (الحرية / الأمل) تتطلب الالتزام به، كما يعبر بشكل صريح أن (العقوبة/الألم) تنتظر غير الملتزم به .ففكرة الألم والأمل تدور مع الإنسان وجودا وعدما في حياته كلها، على سبيل المثال ( الإدارة، التربية، الاقتصاد إلخ )هل كان من المفترض في القوانين أن تحتوي على نصوص للثواب مثلما احتوت على نصوص العقاب ؟القانون له طبيعة مختلفة عن غيره من العلوم، وهو في كثير من الأحيان يعمد إلى "الافتراض" الذي له صور عدة لا يمكن حصرها ، ولكن الصورة التي هي محل كلامنا هي افتراض الثواب للمكلف إن كان ملتزما بالقانون.لتقريب هذا الافتراض ؛ فعند دفع الضريبة فإنك تساهم في بناء المشاريع العامة التي تعود لك بالنفع بشكل مباشر أو غير مباشر ، ولكن لا يمكن تحديد هذا الثواب بشكل خاص لأنه مرتبط أكثر بالقواعد التي تركز على العموم أكثر من الخصوص. وأيضا الالتزام بالسرعة المرورية القانونية يفترض القانون أن التزامك سيمنح المجتمع الأمن والصحة والسكينة ؛ فتستفيد منه أنت كفرد . على العكس من ذلك فقد يذكر القانون (الأمل/الثواب) بشكل صريح، في نطاق محدود مثل قوانين الموارد البشرية أو المكافآت التي يحصل عليها الأشخاص الذين يساهمون في تطبيق العدالة مثل التبليغ على بعض الأنواع من الجرائم الاقتصادية، ولكن هذا الثواب ليس نقيض موضوع العقاب، فالثواب ليس للملتزم بالقانون بقدر ما أنه للمساهم في التبليغ عن حالات مخالفة القانون، فلا نستطيع أن نجعله محل الأمل بشكل مباشر ونلغي فكرة الافتراض.مالذي يمكن للقانوني قوله عند موعظة الناس للالتزام بالقانون؟ظهرت مؤخرا موجة قوية من القانونيين الذين يركزون على جانب الألم بشكل كبير فعلى سبيل المثال نجد التغريدات في تويتر والتي توضح عدد سنوات السجن للمخالف لقاعدة ما وهكذا . في ظني أن التركيز على الألم وخصوصا الألم الخاص والذي يمس المكلف بشكل مباشر يعبر عن تمسك بقشور القانون، لأن القانون أعمق من أن يكون ألما على المكلفين . من الجيد نشر الألم من جهة تمثل تطبيق العدالة في الحكومة وممارسة المحافظة عليها. بل إن من العدالة نشر موضوع الخطأ أو الجريمة والألم المترتب على ذلك، ليكون من المعلوم للكافة ما يترتب على الأفعال .ولكن القانوني الذي لا يمثل الأشخاص العامة، يجب أن لا يكون سائق توصيل للألم فيأخذه من القانون ثم يوصله لعموم المكلفين ، الذين يتأثرون نفسيا بشكل سلبي من عدد المقالات والتغريدات التي تجعل الألم جاهزا حاضرا منتشرا ويمكن وقوعه بأي وقت . القانوني يمكن أن يستخلص من الألم ويكيف ويشرح ويعرّف، أما نشر القاعدة القانونية المشتملة على الألم مجردة كما هي ، فلا أظنه عمل جيد، بالنسبة للقانوني. وعلى النطاق الآخر فإن له في الأمل عوالم فسيحة ، لأن الغاية من القانون هي العدالة والتي بها تعم الصحة والسكينة والأمن والحرية .وأخيرا فإن الألم والأمل ضروريان لبعصهما كما قيل عن الخوف والرجا ﻛﺠﻨﺎﺣﻲ اﻟﻄﺎﺋﺮ ﺇﺫا اﺳﺘﻮﻳﺎ اﺳﺘﻮﻯ اﻟﻄﻴﺮ ﻭﺗﻢ ﻃﻴﺮاﻧﻪ ﻭﺇﺫا ﻧﻘﺺ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻭﻗﻊ ﻓﻴﻪ اﻟﻨﻘﺺ ﻭﺇﺫا ﺫﻫﺒﺎ ﺻﺎﺭاﻟﻄﺎﺋﺮ ﻓﻲ ﺣﺪ اﻟﻤﻮﺕ. والمبالغة في جانب دون الآخر قد يؤدي للضرر أكثر من النفع ، وكل إنسان وإن كان يدفعه الألم أو الأمل فإنه محتاج لهما جميعا بشكل عام لأغراض التوازن .تم ، والله الموفق .