04 Jan
04Jan


تمر بالإنسان أزمات لا يمكن له أن يتخطاها أو أن يتجاوزها في وقت مناسب؛ دون مساعدة الغير. ولهذا يقال أن الإنسان اجتماعي بطبعه، فهو بحاجة للجماعة بأي شكل.. هناك أشخاص قد لا يوفقون في تنظيم شؤونهم المالية، أو قد يتعرضون لأضرار ناشئة عن خطأ منهم أو غيرهم أو ناشئ من السماء لأسباب قدرية .أيا ما كان الأمر، فإن الضرر الذي نعنيه؛ يتمثل في أن يكون الشخص مدينا بدين أكثر من أن يستطيع الوفاء به .يختلف الأشخاص في حل مثل هذا الأمر؛ ولكن ثمة أشخاص لديهم الاستعداد لطلب المساعدة من الغير على شكل تبرع .من هؤلاء من يطلب المساعدة لحاجته الحقيقية وفق تقديره ويرى وجاهة لذلك.. لكن حديثي عن من يطلب المساعدة ليس لحاجة، وإنما "تكثرا" .ظهر مؤخرا انتشار طلب المساعدة للمساهمة في سداد فاتورة التنفيذ القضائي .. ورأينا المجتمع السعودي الأصيل يساهم بكل شهامة وكرم في بذل المساعدة للمدينين .ثمة سؤال يجب أن نتمعنه: هل نحن نثق في سبب هذه الديون ومشروعيتها، وأهلية المنفذ ضده للمساعدة ؟! .لا يمكن للأشخاص الذين يرغبون بتقديم المساعدة بسداد فاتورة التنفيذ القضائي؛ أن يتعرفوا على سبب الدين إلا بمساعدة صاحب الشأن أو من يمثله، أو بطرق غير سهلة .معلوم أن السندات التنفيذية متعددة؛ لنأخذ منها على سبيل المثال؛ الحكم القضائي والورقة التجارية . يمكن لثامر أن يقترض (صوريا) من عامر مبلغا وقدره ١٠٠.٠٠٠ ريال . يقوم عامر بإقامة الدعوى ضد ثامر، مدعيا أنه أقرض ثامر المبلغ المذكور قبل عامين ولم يرده . يقر ثامر بالدين؛ فيحكم بإلزام ثامر بسداد المبلغ؛ فيحصل عامر على سند تنفيذي يقدمه أمام محكمة التنفيذ؛ ثم تصدر فاتورة السداد.. بعد صدور فاتورة السداد؛ يقوم ثامر بعرض الفاتورة بمواقع التواصل الاجتماعي؛ فيسدد الناس المبلغ.. يتقاسم ثامر وعامر المبلغ وفق اتفاقهما !وبنفس الأمر قد يتم تحرير ورقة تجارية صورية ويتم تقديمها لمحكمة التنفيذ ليتكرر نفس الأمر.
إذن نحن أمام مشكلة خطيرة؛ يجب أن ننتبه إليها؛ سواء من قبل قضاء الموضوع أو التنفيذ أو الأشخاص الذين يرغبون بتقديم المساعدة؛ والأهم على مستوى التشريع .فمن جهة قضاء الموضوع؛ يتحقق قاضي الموضوع _خصوصا في القضاء المدني_ من سبب الدين، ولا يكتفي بالأصل في السبب؛ وأخص إن كانت الوقائع لا تظهر حقيقة مشروعة، فتطلب اليمين من المدعي ولو أقر المدعى عليه بالدين .كذلك قاضي التنفيذ؛ يتأكد من بعض السندات التنفيذية التي لم تنظرها محاكم الموضوع، وذلك بأن يتوجب على طالب التنفيذ أن يقدم ولو قرينة على مشروعية سبب الدين .أما من يرغب في تقديم المساعدة؛ فيتحقق من مشروعية الدين وأهلية المدين للمساعدة، عبر طلب العون القانوني من محامي .أما على المستوى التشريعي فأرى أن يتم منع طلب المساعدة بهذا الشكل الشائع بهذه الفترة؛ وتنشأ لجنة متخصصة للنظر في مثل هذه الطلبات تتأكد من أهلية المنفذ ضده للمساعدة وأنه بحاجة لتلك المساعدة، كما تتأكد من مشروعية الدين، وتنشئ منصة إلكترونية لهذا الغرض، وتتم محاسبة من يخالف ذلك . كما تنشئ منصة إلكترونية لتوثيق الديون الشخصية على غرار توثيق عقود الإيجار .
أدرك صعوبة تطبيق ما ذكرته في الواقع، ولكن لأني أرى أن هذه المشكلة تؤثر على الأمن والاقتصاد الوطنيين؛ فلعل هذه اللفتة تجد عناية من قادر على الأخذ بها، أو بأفكار أحسن منها.. المهم أن يتم قطع الطريق أمام من يضر بأمننا الوطني والاقتصادي..والله من وراء القصد، والسلام عليكم .

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.